الموت فكرة ...

الموت فكرة .... هناك من يتقبلها وهناك من لا يتقبلها وهناك من لايستوعبها . لم يحدث ان فقدت احدا قريبا مني منذ ان نضجت فكريا واصبحت استوعب مايدور حولي ,ولكني كنت دائما اشعر بفضول نحو الموت , كنت دائما ما أتخيل فقدان احداً قريباً مني ,كنت أحاول ان أتخيل رد فعلي ,وفي هذه التخيلات كانت تسيطر علَّي مشاهد الافلام العربية عندما تعلم البطلة بفقدان احد اقربائها او حبيبها او ايا يكن قريباً منها , عندما تسمع الخبر يغشي عليها او تنهار , هذا ما كنت اتخيله ,بأنني انا هذه البطلة ,كنت اتوقع انني سأنهار ولن استطيع تكملة حياتي بشكل طبيعي ,كنت اتعجب عندما اري اصدقائي يفقدون احدا قريبا منهم ويأتون المدرسة بعدها طبيعيين جدا ,ماذا حدث ؟ الم يكونو يحبونه ؟  الم يكن قريبا منهم بالقدر الذي كنت اتخيله ؟ أكان مجرد شخصاً عابرا في حياتهم ؟ اكانو فقط يتظاهرون بحبه ؟ كان كل هذا يدور بداخل رأسي ولكني لم اتجرأ ان ابوح به ولو مرة .. فالموت بالنسبة لي كان مخيفاً , فكرة فقدان احد كانت مخيفة لدرجة انني كنت اخاف البوح بها حتي لا تحدث . منذ ما يقارب الشهر فقدت احدا من اقرب الناس الي قلبي واعزهم عندي , كان طبيعيا جدا كنت اتغدي معه قبلها بنصف ساعة ,شعر بالتعب فجأه ولم يصمد حتي يصل المستشفي ,فقد جاء اجله ,كنت في البيت عندما سمعت الخبر ,وجدت من حولي ينخرطون في البكاء فبكيت انا الاخري ,ولكن الي الان لا استطيع ان اتذكر لماذا بكيت .. فانا الي الان لم استوعب اني فقدته , انا الي الان مقتنعة انه حيٌ يرزق , انا الي الان لم اشعر بافتقاده لاني مقتنعة اقتناع تام اني اراه , لا اعلم كيف ولكني اشعر بوجوده , حتي اني انهرت في يومها ولكن بعد ذلك تمالكت نفسي وكنت شبه طبيعية جدا , كانت الناس تعزيني وانا لا اعلم كيف انا متماسكة هكذا ؟ كنت احاول ان ابكي ولكني لم استطع , لم اجد ما يكفي من الدموع في عيني حتي ابكي  , كيف بعد عدة ايام وبعد ان توقف الناس عن التعازي رجعت الحياة كما كانت ؟ كيف اشعر بالحزن وانا لا اشعر به ؟ اتذكر كيف كنت اتعجب من الناس التي تكمل حياتها طبيعيا واري نفسي وانا استكمل حياتي انا الاخري طبيعيا , افكر هل يري الناس اني طبيعية ؟ هل يتخيل الناس بأني لست حزينة ؟ انهم لا يعلمون كم كنت احبه ولا يعلمون كم مازلت احبه , ولكنهم لن يفهموا , ولكني لن ابالي بهم فأنا اخيرا فهمت .. فهمت ان الموت فكرة .... هناك من يتقبلها وهناك من لا يتقبلها وهناك من لايستوعبها , واتضح لي باني من النوع الثالث الذي لا يستوعبها .
ولكن مجرد الفكرة بانواعها الثلاث تعلمنا .. فلقد علمتني اني يجب ان اعامل كل شخص في حياتي وانا اعلم ان كلمتي يمكن ان تكون اخر ما يسمعه .. علمتني اني يجب الا احمل هموم الحياة علي قلبي فكلنا فانيين والهموم ايضا فانية .. علمتني اني يجب ان استمتع بكل شئ علي انه اخر شئ سافعله .. فالله وحده يعلم متي اجلنا .